إن عقلية وثقافة الاستبداد التي صبغت العديد من فترات عهد الانحطاط والتي لا زلنا نرى لها أبواقا وممثلين، تناقض عقلية المسؤولية التي ركز عليها المقدس الذي نحمله بقوله "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" حاكم ومحكوم، زوجة وزوج، مواطن ومواطنة، وعامل وعاملة... والمسؤولية حالة وفعل تستند إلى العلم والرشد والوعي، وعلى سلوك الفهم والتفهم والمراعاة والتواضع والتشاور والتضامن والتعاون. وهي أصول أخلاقية تنتمي إلى منظومة من القيم تناقض منظومة الاستبداد وقيمه البديلة، فأخلاق الاستبداد ليست أخلاق المسؤولية، ولعل أول تأثيرات الاستبداد وأفعاله تكون في تثبيت أخلاقه وتنزيلها إلى الواقع المعاش حتى تصبح الصورة قاتمة تلتحف بالسواد أينما أدرتها ويصبح الإفساد الأخلاقي مشروع حكم والفساد الأخلاقي مشروع مجتمع.
إن تحررنا من ربقة التخلف لن يكون صادقا وسليما ونهائيا إذا لم تحمل كل نواتات المجتمع ومكوناته معول هدم الاستبداد الذي نخر عقولنا وسلوكنا ومواقفنا، بداية من استبداد الحاكم ومرورا بالفقيه والرعية، حتى تبقى الكلمة الخالدة " الكرامة " التي منها نبدأ وعليها نعيش، كلمة صامدة مرتفعة أصلها ثابت وفرعها في السماء، و تظلّ منهجية تعامل بين الأفراد والجماعات وبين الرجل والمرأة خاصة، لا ترتعش و لا تتمايل لمرور سحابة صيف أو رياح خريف، حتى تبقى المرأة إنسانا كريما ومواطنا فاعلا، لها ما للجميع من حقوق وعليها ما على كل مواطن من واجبات في ظل احترام هذا المقدس الجميل روحا ومقاصد وأحكاما.