همسة في قصّة:
تروي كتب الأقدمين في ظلم الحكّام وعدلهم قصصا كثيرة، إليك يا صاحب الحكومة الشرعيّة قصّة منها لعلّك تذّكر أو تخشى...
ذكروا أن أحد الملوك في الزمان الأوّل خرج للصيد والاستجمام، وبينما هو في رحلته إذ أدركه العطش، فرأى بستاناً من بعيد فقصده وطرق بابه، ففتحت له جارية حسناء، فاستسقاها فغابت غير بعيد ثم رجعت، وقد ملأت له كأساً من شراب الرمّان الحلو اللذيذ، فكان لحرارة عطش الملك الدواء الشافي، ردّت به روحه إليه، وذهب عنه تعبه ونصبه، ثم إنّ الملك نظر نحو البستان، فأدهشه جمال تنسيق أشجاره، وتغريد أطياره، وأريج عطره وأزهاره.
ثمّ سأل الفتاة : كم رمّانة عصرتها في الكأس حتّى ذهب عني عطشي، وكان سبب نجاتي وإنقاذي؟ قالت الفتاة للملك وهي لا تعرفه: أيّها السائل، إنّ الذي قدّمته إليك من الشراب هو عصير رمّانة واحدة، فسألها الملك ثانية: وكم تدفعون من الضرائب للحكومة عن بستانكم كلّ سنة؟ فذكرت له مقدار الضريبة التي تأخذها الحكومة، فاستقلّها الملك واستصغرها، وعزم في نفسه على زيادة الضرائب على الشعب.
وبينما الملك يحادث الفتاة ويناجيها إذ عاوده العطش مرّة أخرى، فطلب كأساً ثانية ليقضي على العطش، فذهبت الفتاة ولكنّها أبطأت في رجوعها، ثمّ عادت بالكأس باكية حزينة، فأخذ الملك منها الكأس فإذا بطعم الشراب ولذّته غير ما كان عليه في المرّة الأولى، فتعجّب الملك من ذلك.
ثمّ سأل الفتاة عن سبب بكائها وحزنها؟ فقالت : يا هذا، إنّ سبب بكائي وحزني هو أنّ ملكنا قد ساءت نيّته على شعبه، ولعلّه قد أراد الظلم والحيف لرعيّته، قال لها: وما أدراك بذلك؟ قالت: لمّا ذهبت لآتيك بالشراب، عصرت لك عدّة رمّانات فلم تملأ الكأس، بينما كان عصير الرمّانة الواحدة يملأ الكأس، فتعجّب الملك وسكت، وقرّر في نفسه ترك الضريبة على ما كانت عليه من غير زيادة.
ثمّ طلب الشراب للمرّة الثالثة، فما أسرع أن جاءت الفتاة بالكأس مملوءة مترعة، وهي ضاحكة فرحة، وقالت للملك: أبشر يا هذا، فإنّ ملكنا قد تحسّنت نيّته نحو شعبه ونوى الخير لهم، فقد ملأت الكأس الآن بعصير رمّانة واحدة، فشرب الملك فوجد طعم الشراب بلذّته الأولى، فأدرك هذا الملك أنّ زيادة البركة والخير تكون بحسن نيّة الراعي نحو رعيّته، وذهاب البركة والخير يحصل بسوء نيّة الحاكم وخبث طويّته.
قال تعالى: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف:59].
موضوع: همسة في قصّة 
الأحد نوفمبر 23, 2008 11:28 pm
