قصيدة عزة لكثير عزة
وَلَقَدْ لَقِيتَ على الدُّرَيْجَة ِ لَيْلَة ً
كانتْ عليكَ أيامناً وسعودا
لا تغدُرنَّ بوصلِ عزَّة بعدما
أخذتْ عليكَ مواثقاً وعهودا
إنَّ المُحِبَّ إذا أَحَبَّ حَبِيبَهُ
صدقَ الصَّفاءَ وأنجزَ الموعودا
الله يَعلمُ لَوْ أَرَدْتُ زِيَادَة ً
في حبِّ عزَّة َ ما وجدتُ مزيدا
رُهبانُ مديَنَ والذينَ عهدتُهُمْ
يبكونَ مِنْ حذرِ العذابِ قعودا
لو يسمعونَ كما سمعتُ كلامَها
خَرُّوا لِعَزَّة َ رُكَّعاً وسُجودا
والميْتُ يُنشَرُ أَنْ تَمَسَّ عِظَامَهُ
مَسّاً وَيَخْلُدُ أَنْ يَرَاكِ خُلودا
هذه القصيدة هي أشهر شعر كثير عزة، وأشهر ما فيها البيتان:
رُهـبانُ مَديَنَ وَالَّذينَ عَهِدتُهُم
يَبكونَ مِن حَذَرِ العَذابِ قُعودا
لو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها
خَـرُّوا لِـعَزَّةَ رُكَّعاً وَسُجودا
وبسبب هذين البيتين امتنع عمر بن عبد العزيز عن الإذن لكثيّر بالدخول عليه لما ولي الخلافة، في خبر طريف، ذكره
ابن عبد ربه في العقد الفريد ، وهو من الأخبار الطوال، اشتمل على ذكر أخطر ما قاله الشعراء الوافدون في الغزل،
وهم عمر بن أبي ربيعة، وجميل بن معمر العذري. وكثير عزة، والأحوص الأنصاري، والفرزدق والأخطل وجرير.
ويمكن لمن يرغب بمعرفة أخبار كثير مع عزة أن يراجع في ذلك كتاب (تزيين الأسواق)، فقد أتى الأنطاكي
فيه على ذكر كل أخبار كثير مع عزة. وعزة هذه كنانية، من (ضمرة بن بكر) رهط البرّاض. وهي عزة بنت جميل
بن حفص. وكان سبب عشقه لها أنه مر بغنم له ترد الماء على نسوة من ضمرة بوادي الخبت فأرسلن له عزة
بدريهمات تشتري بها كبشاً لهن منه فنظرها نظرة متأمل فداخله منها ما كان.
ومعظم شعره في عزة يجري في ذكر مطالها في الوعد، لأنه لم ينل منها ما نال العشاق من معشوقاتهم،
وكل ما ظفر به منها أنها وعدته مرة بقبلة.
ثم زاد الطين بلة أن اخترمت المنية عزة من يد كثير فقال فيها أوجع الشعر وأشجاه، وأعذبه وأحلاه.
وهذا الجانب من شعر كثير هو الذي سارت به الركبان، وتمثلت به الوعاظ في مجالسها.
وكانت وفاتها في مصر، ولوقوف الخلفاء والملوك على قبرها قصص مذكورة.
وأما كثير فتوفي سنة (105هـ) في المدينة المنورة، في اليوم الذي توفي فيه عكرمة مولى ابن عباس.
وكان قصيرا جدا، وبسبب قصره المفرط صُغّر اسمه، فصار (كُثَيّرا) وكان (كثيرا).
وهو صاحب الكلمة السائرة: (ضحى بنو حرب بالدين يوم الطف وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر).
وأعود إلى ذكر البيتين، ملمحا إلى أثرهما في شعر معاصري كثير، فمن ذلك قصيدة ساقها المرزوقي
في (الأزمنة والأمكنة) منسوبة إلى الأصمعي، وفيها:
لـو رآه رهبان مَدْين طاروا
واستخف المطران والجاثليق
ومن ذلك ورودها في شعر جرير:
رهـبانُ مدينَ لو رأوْكِ تنازلوا
والعصمِ من شغفِ العقول الفادرِ
ويبدو أن هذا المقطع الذي ورد فيه هذا البيت من قصيدة جرير صار أغنية، لذلك نرى محمد بن يزيد بن مسلمة،
يقتبسه منوها إليها في رائية مطولة كتبها في وصف قصر عبد القادر (ابن عمه) وانفرد بذكرها المرزوقي
في أماليه، وأعقبها بقصيدة في نقضها لعبد القادر.